تقرير عن المؤتمر الدولي الثامن للإعجاز لمدينة تطوان والمالية الإسلامية بمدينة برشلونة
انعقد المؤتمر الدولي الثامن للإعجاز لمدينة تطوان هذه السنة بمدينة برشلونة أيام الخميس والجمعة والسبت 4،6،5 أبريل 2019 بتنسيق مع المؤتمر الدولي الثالت للمالية الإسلامية ببرشلونة الذي ترأسه الدكتورة نجية لطفي، رئيسة مركز الدراسات والأبحاث في الإقتصاد والماليات الإسلامية.
وتم المؤتمر الدولي الثالت للمالية الإسلامية ببرشلونة تحت شعار “المعجزات الإقتصادية في القرآن والسنة”، والمؤتمر الدولي الثامن للإعجاز لمدينة تطوان، بمشاركة أساتذة ودكاترة جامعيين وباحثين من المغرب وإسبانيا وتركيا والجزائر والأردن والعراق، وضيوف من السنغال والسعودية، وبحضور:
مدير فرع بنك إسبانيا ببرشلونة
والمدير العام للسياسة المالية والتأمينات والخزينة بلاجينراليتات بكطالونيا
و مفوضة الهجرة ببلدية برشلونة
ورئيس هيئة الإعجاز العلمي في القرءان والسنة بشمال المغرب
ورئيس المركز الثقافي الإسلامي التوبة، بكورنيا جهة برشلونة، وعناصر من الصحافة بالإضافة إلى البروفسور زغلول النجار، وحضر بالمركز العديد من أعيان برشلونة.
ووفر المؤتمر الترجمة الفورية من الإسبانية للعربية ومن العربية للاسبانية، ليشكل مساحة للتبادل بين مختلف مفكّري التيار الاقتصادي الإسلامي والممارسين من جهة والاقتصاديين والممولين الأوروبيين على الجانب الآخر،
- فبالنسبة للاقتصاديين والممولين الأوروبيين، يعد المؤتمر فرصة لفهم الاقتصاد الإسلامي بمختلف جوانبه ومكوناته وللتعرف على مختلف تحدياته.
- وبالنسبة للمفكرين والممارسين الاقتصاديين الإسلاميين، يعد المؤتمر منفتحًا على الأدوات والآليات الجديدة المعتمدة في أوروبا والتي يمكن أن تثري النقاش.
تمت الأشغال بفندق HCC HOTEL وبالمركز الإسلامي التوبة ببرشلونة.
اختتم المؤتمر بإقامة دورة سياحية، على شرف المدعوين والمشاركين من الأساتذة والدكاترة الجامعيين، تعرفوا خلالها على المعالم والمآثر السياحية للعاصمة الكتلانية برشلونة.
نشير إلى أن مديرة المؤتمر الثالت للماليات الإسلامية ببرشلونة، الدكتورة نجية لطفي، ورئيسة مركز الدراسات والأبحاث في الإقتصاد والماليات الإسلامية، أنشأت تعاونية للخدمات المالية الإسلامية كوب-حلال، وهي “أولى المؤسسات المالية بإسبانيا، التي تعمل طبقا للتعاليم الإسلامية” كما جاء في تعريف لها في إحدى منشوراتها. كما أن لها منتوج آخر ويتعلق الأمر بتأمين تكافل TAKAFUL، وهو أيضا “أول تأمين بإسبانيا يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية”، حسب تعريف لمنشور تحت عنوان تكافل.
كلمة الدكتور محمد بورباب
بعد تقديم واجب الشكر لرئيسة المؤتمر ولأعيان برشلونة الذين رحبوا بالمؤتمرين وأبدوا سرورهم بطبيعة الموضوع الذي يعالج الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة والاضافة النوعية التي يمكن لهذا المؤتمر أن يقدمه لإسبانيا والعالم أجمع.
الإقتصاد الإسلامي، نموذج تطبيقي متكامل، يملك آليات معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحفاظ على المكتسبات المادية للبشرية.
ملخص
من أهم ملامح الاعجاز الاقتصادي في تشريعات الإسلام احتواؤه على أهم الأفكار والمعالجات الاقتصادية لتحقيق التقدم وضبط وتقنين المعاملات الاقتصادية بين الناس وبخاصة ما يتعلق بالكسب الحلال وتحريم الربا والغش والاحتكار، وتشريعات الشق الاجتماعي من زكاة وإرث ووقف وغيرها، كثوابتتعمل على امتداد تاريخ البشرية، فهذه المنظومة الاقتصادية في القرآن والسنة لا توجد مجتمعة ومتوازنة وبهذا التفصيل في أي من النظم الاقتصادية الوضعية.
وقد ازدهرت العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية ومنها الفكر الاقتصادي الإسلامي على امتداد تاريخ الإسلام، عكس ما يروج له الفكر الاقتصادي الغربي الذي يرى أن بداية الأفكار الاقتصادية ظهرت عند اليونانيين القدماء (افلاطون) ثم قفزت إلى العصور الحديثة في أوروبا، وقد كانت هذه المعاملات سببا في دخول شعوب بأكملها في دين الإسلام بدون نشوب أي حرب مع الدولة الإسلامية.
وفي العصر الحديث ومع ظهور الأزمات الاقتصادية الحادة للرأسمالية بعد انهيار المعسكر الشيوعي وبقاء الناس تحت الظروف الشاذة للاقتصاد الدولي الراهن يظهر الاقتصاد الإسلامي كبديل للتيه الاقتصادي الذي تعيشه البشرية، لقد فشلت دول العالم قاطبة في تجنب التضخم والقضاء عليه، وانحصرت جهودها في إدارته والسيطرة عليه قدر الإمكان، مع أن عدم الانتصار عليه معناه فشل النظام النقدي الدولي، وفشلت الدول كافة ومعهم البنك الدولي في تجنيب مواطنيها الفقر بل دخل مواطني بلدان -كانت تصنف بأنها غنية – حالة الفقر، بما يدل على فشل سياساتها، وعن ضرورة البحث عن حل جذري للاقتصاد العالمي الحالي.
وفي هذا الإطار، لم يكتف الغرب باعترافه أن بعض معاملاته المالية –والتي حرمتها الشريعة الإسلامية- هي السبب في الأزمة: كالربا، وبيع الغرر والميسر والمتاجرة في الديون، والمضاربات الوهمية.. بل أخذ يطبق ويدعو لاستعمال أدوات اقتصادية إسلامية فرضت نفسها في قواميس البنوك الغربية كحل بديل للمنظومة الربوية التي يعيش عليها، ك”المشاركة”، و”الصكوك”، و”التكافل” وإزالة الفائدة الربوية أو تخفيضها لتشجيع الاستثمار..
وهكذا ومن حيث أن بعض معاملات الغرب المالية -والتي حرمتها الشريعة الإسلامية- كانت سببا في الأزمة الراهنة، ومن كون العلاج الغربي المقترح للأزمة الاقتصادية العالمية يتوافق جزء مهم منه مع أحكام الشريعة في النظام الإسلامي المالي.. يتبين لنا وجه عظيم للإعجاز الاقتصادي والتشريعي لكتاب الله العزيز وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام…الذي بدأ الغرب يتناغم معه عن قصد أو غير قصد في معالجاته للأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي هذا السياق يطالب الخبراء الغربيون بالأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية:
- يقول Michel Santi: لا حل إلا في المالية الاسلامية ويتساءل: هل يقبل الغرب أن ينقذ نفسه بالمالية الاسلامية؟
- وتقول – خبيرة الإقتصاد العالمية لوريتا نابليونى: إقتصاد الغرب ينهار والحل هو الإسلام لأن:النظام الإسلامي المالي هو الوحيد في العالم الذي لم يتأثر بأزمة العقارات الأمريكية، فإذا حدث الانهيار, فإنه الوحيد الذي سوف يظل على قيد الحياة، والشريعة الاسلامية حرمت استثمار الأموال في المنتجات على أساس الربا، وعمل المال للمال.
- واعتبر أستاذ الاقتصاد الفرنسي جاك اوستريفيفي كتابه: الإسلام في مواجهة التقدم الاقتصادي L’Islam Face Au Développement Economique Editions ouvrières Jacques Austry بأن طرق الإنماء الاقتصادي ليست محصورة في النظامين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي بل هناك اقتصاد ثالث راجح هو الاقتصاد الإسلامي الذي سيسود المستقبل لأنه أسلوب حياة كامل يحقق المزايا ويتجنب كافة المساوئ.
- وكتب رئيس تحرير صحيفة Le Journal des finance 2008/9/25 م (Roland Laskine): “هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت” يقول فيه: “إذا كان قادتنا حقًا يسعون إلى الحد من المضاربة المالية التي تسببت في الأزمة فلا شيء أكثر بساطة من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية”.
- ومن بين الأصوات المنادية بضرورة المراجعة والاصلاح والاستفادة من مبادئ الاسلام في الجانب الاقتصادي جوزيف ستيغليتز رئيس لجنة الامم المتحدة المكلفة بإصلاح النظام الاقتصادي العالمي وحامل جائزة نوبل للاقتصاد، والاقتصادي البريطاني ويليام بويتر والفرنسي اوليفي باستري والامريكي فيليب كوتلر والبريطاني توبي بيرش والالماني فولكر نينهاوس وغيرهم.
- وكتب رئيس تحرير كبرى الصحف الإقتصادية في أوروبا صحيفة Challenger الكاتب Beaufils Vincent سبتمبر 2008م: “أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من أحكام وتعاليم وطبقوها، ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري” فالنقود لا تلد نقودًا.
- وصرح وزير الخزانة البريطانية اليستيردارلينغ: “لا يمكن معالجة عجز الميزانية دون الاستعانة بالصكوك الإسلامية“، وأصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية -وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك- قراراً يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامية في السوق المنظمة الفرنسية.
- ومنذ عقدين من الزمن تطرق الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد “موريس آلي” إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الإقتصاد العالمي واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%. وهو ما يتطابق تماما مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي .
- كما أشادت دراسة أعدها مركز أبحاث الكونجرس الأميركي عن “التمويل الإسلامي” بالبنوك الإسلامية لكونها “أكثر صلابة في مواجهة التراجع الاقتصادي العالمي والأزمة المالية الدولية مقارنة بالبنوك التقليدية”، وأشارت الدراسة إلى اعتقاد كثير من المراقبين بأن “التمويل الإسلامي يمثل عجلة للتعافي من الأزمة المالية الدولية”، كما توقعت الدراسة بأن تعزز صناعة البنوك الإسلامية مكانتها في السوق الدولي في ظل بحث المستثمرين والشركات عن مصادر بديلة للتمويل” خلال الأزمة الراهنة وفي المستقبل.
ومن خلال تأمل مظاهر الأزمة وأسبابها والمعالجات الغربية التي تستخدمها الأنظمة الغربية يتضح لنا إعجاز التشريعات الإسلامية في الحيلولة دون حدوث الأزمات الاقتصادية وفي كونها نموذجا تطبيقيا متكاملا، يملك آليات معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحفاظ على المكتسبات المادية للبشرية:
1- الظروف الشاذة للاقتصاد التي تعيشها البشرية حاليا
ويمكن تلخيصها في العناصر التالية:
- ارتفاع الديون السيادية للدول الكبرى في العلم ومعظم الدول الأخرى…نتيجة ارتفاع الديون الداخلي للمؤسسات والاقتراض الخارجي… حيث وصلت الديون السيادية للدول الكبرى حدوداً جاوزت الناتج الإجمالي الداخلي الخام (PIB) بكثير.. وارتبط هذا الموضوع بنشر الفوضى الخلاقة بالشرق الأوسط وغيره، رغم استحواذها،
- ارتفاع معدلات البطالة. يقول موريس آلي (جائزة نوبل): إن النظام الاقتصادي الرأسمالي يقوم على بعض المفاهيم والقواعد التي هي أساس تدميره إذا لم تعالج وتصوب تصويبا عاجلا … وهو اليوم يقف على حافة بركان، ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة).
- انتشار المجاعات والهجرات الكبري للبشر والتقاتل بينهم وتراجع في الاستثمار وفي الحريات الفردية.
- إنقسام الناس إلى دائن ومدين وتكدس الثروة في يد عدد ضئيل من الناس، وارتباط ذلك بتباطؤ النمو.
- ارتفاع معدلات التضخم.
- تحول الكثير من أسهم الشركات الأمريكية والغربية إلى فقاعات، حيث قيمتها لم تعد تعبر عن وضعها الحقيقي في عالم الأعمال.
- ارتفاعا للمخاطر السياسية التي تؤثر على الاقتصاد، وانتشار الإرهاب، وتراجع نسبة ثقة الشعوب في الحكومات، وتأييد الشعوب الأوروبية لفكرة العودة إلى الدول ذات السيادة.
- وصول نسب النمو حول العالم لمعدلات متدنية ما يعطي ملامح أزمة مالية عنيفة تعصف بالاستقرار العالمي، حذر منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أخيرا.
- ومن خلال تأمل بسيط لأسباب الأزمة يتضح لنا في أنها وبدون استثناء ناتجة عن معاملات ووسائل تستعملها الرأسمالية نهت عنها الشريعة الإسلامية قبل أربعة عشر قرنا:
- تطبيقات الربا:
لقد أدت تطبيقات الربا الى حالة كارثية يعيشها العالم الآن، فعلى المستوى الفردي، انقسم الناس في عصرنا إلى دائن ومدين وأصبح معظم الأفراد غير قادرين على سداد الديون (وحتى القادرين منهم على السداد ليست فى مصلحتهم سداد القروض عند انخفاض أسعار المنازل التي آلت ملكيتها للبنوك في الولايات المتحدة الأمريكية). أما على المستوى القومى والعالمى فيتلخص بالآتي: إفلاس البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار. قبض التأمين من شركات التأمين جراء التأمين على السندات. إفلاس شركات التأمين. فتسعى المصارف إلى الإحجام عن الإقراض بعرقلته بشروط تصعب منحه. الأمر الذي يضغط على سيولة الشركات الصناعية وغيرها من الأنشطة الإنتاجية لإتمام أعمالها. وبعد ذلك تظهر بوادر كساد كبير. فتقوم الحكومات بزيادة سيولة السوق بضخ كميات هائلة لإنعاشه.. لكن الاقتصاد يستمر فى الترنح تحت ضغط الديون بسبب الاستثمار في الديون وليس فى استثمارات حقيقية ملموسة. وأخيرًا تجد الأسواق نفسها أمام احتمال انهيار اقتصادي عالمي.
- وأدت تطبيقات الربا كذلك إلى تكديس 82 في المائة من المال لصالح الفئة القليلة من الرأسماليين تتحكم في الاقتصاد العالمي، ويبقى 3.7 مليار من سكان الأرض لم يلمسوا أدنى ربح من النمو لسنة 2017 بحسب منظمةوأدت إلى نشر الحروب والفوضى الخلاقة نتيجة انسداد الآفاق -أمام الغربيين الرأسماليين- إلا أفق تجويع الشعوب وتفقيرهم والسيطرة على ثرواتهم لكي تستمر الآلة الرأسمالية في العمل.
- ومن هذه الوسائل المدمرة للاقتصاد والتي تستعملها الرأسمالية أخذ ربح ما لا يضمن (بيع الإنسان ما لم يقبض وبيعه ما ليس عنده)، والمتاجرة في الديون أو بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين) ، وتحريك الاقتصاد بالحروب، وجشع مديري المؤسسات البنكية واستغلال نفوذهم للثراء الفاسد ، التعدي والتقصير في الأمانة على مال الغير وودائع الناس، السرف والتبذير والبذخ في الإنفاق، استحمار الناس ثم استغلال بشع لثرواتهم وتركهم في المجاعات والنزاعات والحروب التي لا تنتهي خصوصا في إفريقيا وآسيا والعالم العربي، الاستدانة من أجل أداء الديون المتراكمة، البحث عن المال السهل في الاكثار من الديون وقلب هرم الثروة، التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة، الإفراط في الحرية الاقتصادية، استحواذ الدول العشرين على 90% من الناتج الاقتصادي العالمي و%8 من التجارة العالمية…
- العلاج: يتضح لنا وبدون عناء بأن أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية في أنها وبدون استثناء ناتجة عن معاملات ووسائل تستعملها الرأسمالية وقد حرمها شرع الله، ومنها وسائل تتدارسها الآن الجامعات الدولية كبدائل، حيث يحول الاقتصاد الإسلامي دون ظهور أسباب الأزمة والظروف الشاذة التي تعيشها البشرية حاليا، بتحريمه المعاملات المالية والتي تكاد تفتك بمستقبل البشرية برمتها. ويملك آليات معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحفاظ على المكتسبات المادية للبشرية، ومن هذه الأدوات نذكر:
- إزالة الربا/ الفائدة الربوية على القروض والودائع، بصفتها المسؤول الأكبر عن الأزمات المالية العالمية، وذلك بتحريم الربا بأصنافها الستة: فالتعامل بالفوائد الربوية التي تجعل النقود تلد نقودا (ربا الديون، ربا القرض وربا البيع، ربا الرهون العقارية وتوريق الديون)، يركز المال في أيدي فئة قليلة من أفراد المجتمع الواحد ،و يحرم منه المجموع الكثير، وهذا خلل في توزيع المال، يقول الدكتور (شاخت) الألماني، مدير بنك الرايخ الألماني سابقاً في محاضرة ألقاها في سوريا في عام 1953: “إنه بعملية رياضية (غير متناهية) يتضح أن جميع المال صائر إلى عدد قليل جداً من المرابين، ذلك أن الدائن المرابي يربح دائمـاً في كل عمليـة، بينما المدين معرض للربح والخسارة، ومن ثم فإن المال كله في النهايـة لا بد بالحساب الرياضي أن يصير إلى الذي يربح دائماً. فمقاصد الشريعة في الأموال رواجهاوهو: “دوران المال بين أيدي أكثر من يمكن من الناس بوجه حق، وهو مقصد عظيم شرعي” (مقاصد الشريعة لابن عاشور:471).
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) ﴾. والفائدة الربوية هى أساس البلاء الأساسي في حدوث المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدول الغنية والفقيرة على السواء، وإن المرابين استطاعوا أن يوصلوا البشرية إلى هذا المأزق وأن يتغلغلوا إلى الحد الذي جعل العامة لا يعلمون ولا يظنون أن هذا النظام خطر عليهم بسبب فرض سياسة التجهيل والتعتيم بعدم الحديث عن الربا وأضراره وهي كما قال أحدهم: “إن القلة التي تستطيع فهم النظام مشغولة بتحقيق المزيدمن الأرباح بينما العامة لم ولن يخطر على بالهم أن هذا النظام ضد مصالحهم”.
قال تعالى: “فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (النور:63).
- إستخدام أدوات اقتصادية إسلامية فرضت نفسها في قواميس البنوك الغربية بديلا عن التعامل بالفائدة: كالمشاركة، والصكوك، والتكافل.
- عدم إعطاء المال للأبناك (لأنها أصبحت وكرا للمضاربات الوهمية والفساد المالي) وبدل ذلك إعطائه للقطاعات المنتجة في الصناعة والفلاحة وغيرها، عن طريق التمويل (الأصغر والأكبر) والتداين، من خلال المؤسسات البنكية التي يجب تحويلها لمؤسسات مشاركة في التنمية بديلا عن الاقتصار بالتعامل بالفائدة.
- منع بيوع الغرر
- تحريم الميسر
- تحريم المتاجرة في الديون/بيع الديون
- تحريم المضاربات الوهمية
- تحويل العلاقة الحالية المقلوبة في القطاع المالي، حيث هرم الثروة مقلوب ويقوم على الديون ولا تحتل الثروة الحقيقية فيه سوى حيز هامشي يتقلص بمرور الزمن.وتحويل العلاقة الحالية المقلوبة في القطاع المالي، في رؤيته للمال: فالمال ليس إلا وسيلة لتحقيق سعادة البشر وليس هدفا في حد ذاته.
- عدم البحث عن المال السهل في الديون وفي كل المعاملات التي حرمتها الشريعة الإسلامية والتي قلبت هرم الثروة وتكاد تعصف بالاقتصاد العالمي.
- تحقيق المساهمة الاجتماعية الفعالة لأن القطاع الربحي (التبادلي) يجب أن يرتبط بالقطاع غير الربحي(الخيري) ارتباطا وثيقا، والعمل بموارد التكافل الاجتماعي والعدالة التوزيعية، التي منها ما هو محدد المقادير كالخمس والزكاة والعشور والخراج والكفارات والفيء والغنائم والجزية وغيرها من مساهمات المسلمين، ومنها ما هو عام تتغير قيمته تبعاً لتطوع الأفراد واحتياجات المجتمع: ومثاله الصدقات والإنفاق في جميع المنافع المطلوبة للمجتمع، وما تفرضه احتياجات المجتمع من موارد إضافية تقوم الدولة باستثمارها وقروض تقترضها من المواطنين عند الضرورة بلا فوائد. فالتركيز على ثنائية محورية “الربح المادي، الزكاة” يجعل عملية التنمية تستند على قطاعين اساسيين لا غنى عنهما في المجتمع وهما القطاع الربحي (التبادلي) والقطاع غير الربحي (الخيري) وهما بمثابة جناحي الطائر اللذان لا يمكن التحليق والاقلاع الا بهما. كما انها تصحح العلاقة المقلوبة التي تحول من خلالها القطاع المالي من تابع الى متبوع وانقلب بناء الثروة بدوره فيها الى هرم مقلوب يقوم على الديون ولا تحتل الثروة الحقيقية فيه سوى حيز هامشي يتقلص بمرور الزمن. وفرض الزكاة على المال يحقق هذا الهدف، قال تعالى: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) سورة الحشر – الآية7، فإذا كان 1 في المائة من سكان الأرض يمتلكون أكثر من 50 في المائة من ثرواتها… واستمر الوضع كما هو عليه سيمتلكون كل ثروات الأرض… سيصبح المال دولة بين الأغنياء (يتداوله الأغنياء فقط فيما بينهم دون باقي مكونات المجتمع)، وسيصيب الخلل كل المجتمعات بسبب اختلال توزيع الثروة فيها.
- تشجيع إجراءات في حماية الثروة اتخذتها الحكومات الغربية لحل الأزمة وهي من منهج الاقتصاد الإسلامي ولو لم تسمى باسمه، من خلال:ضخ كميات مالية لإنقاذ السوق المالية، ضمان الودائع، كبح المضاربات الوهمية، وضع قيود على رواتب ومكافئات كبار المصرفيين،رقابة المؤسسات والأفراد.
- حماية الثروة في شموليتها الزراعية والحيوانية والتجارية والمعدنية والبحرية.
- تطبيق قانون الزكاة على الجميع لإرغام الناس على إدخال مالهم في الدورة الاقتصادية بشكل كامل وعدم مجاملة فئةً على حساب فئة مجتمعية،
- العمل بكل القواعد الاقتصادية الإسلامية التي تميزها عن النظريات الاقتصادية الوضعية من عدة نواح.
- من جهة العدالة: فعدالتها مطلقة لا تُجامل فئةً ولا تُحابي أحدًا،
وهذا وجه عظيم للإعجاز التشريعي في ميدان الاقتصاد من حيث شمولية رحمة التشريعات الإسلامية لكل مكونات المجتمع، فالمجتمعات الإنسانية تحيى في ظلال تعاليم خالقها حياة طيبة كطائر يطير بجناحين جناح البحث في الأرض عن الطيبات وجناح الإنفاق على فئات معوزة لم تستطع أن تشق طريقها في الحياة المادية، وهي فئات لا يمكن أن يرحمها إلا العيش في النظام الإسلامي، فبعد كل ما جربته الإنسانية من نظم اقتصادية، ها هي اليوم تكدس المال في يد حفنة من البشر لا تزيد نسبتها عن واحد في المائة مقابل حوالي ثمانين في المائة من المحرومين من سكان الأرض.
ولأن النفقة في سبيل الله جزء لا يتجزأ من دين الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (س الأنبياء: 107) فهو رحمة للعالمين، يشمل بر الناس وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، بل ويشمل الحيوانات والنبات، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لا يَرحم لا يُرحم))، وهي الرحمة التي تشمل كل مكونات المجتمع البشري في نظام التشريع الرباني الذي أدى غيابه عن الأرض لكل هذه القسوة التي نراها وقد عمت أرجاء الأرض طولا وعرضا.
- ومن جهة فلسفتها فهي حكيمة لا تقدم مفسدة ولا تغفل مصلحة راجحة على حساب مصلحة مرجوحة
- ومن جهة دوامها فهي ثابتةٌ لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان أو المكان،
- ومن جهة عموميتها فهي عامة صالحة لكل مجتمع وكل شعب،
- ومن جهة شمولها فهي غنيةٌ محيطةٌ لا تُغفل شيئًا،
- ومن جهة فعاليتها فهي تلتزم الحدود العملية المفيدة الجائز البحث فيها دون مبالغة في تساؤلات غير مبررة بخلاف الاقتصاد الوضعي القائم في جزء كبير منه على الفروض الخيالية والسفسطـة الجدلية.
- ومن جهة أثرها فهي طريق السعادة ولا بد لمن امتثل أوامرها وتجنب نواهيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
خلاصة:
الإسلام، كدين عالمي موحد للعديد من المجتمعات البشرية في ظل إمبراطورية روحية واحدة، بالرغم من أن له رؤيته الخاصة للحياة الاقتصادية، لكنها تحمل صفات الشمولية والاستقرار والاستدامة والتدرجية والعدالة التي تنفع كل المجتمعات البشرية، ويعتمد هذا النموذج الإسلامي للحياة الاقتصادية على مبادئ الإسلام الثابتة، ويفتح أمام مختلف التطورات التكنولوجية والمؤسسية للأنظمة الاقتصادية الحديثة ويتكيف مع الخصائص المحلية والزمنية للمجتمعات البشرية.
وهو يركز بشكل رئيسي على الاستقرار. في الواقع، لا يمكن تحقيق النمو خارج المجالال اقتصادي الحقيقي. وبالتالي، في الاقتصاد الإسلامي، فإنما يبدو أنه عائق أمام النمو سيكون في الوقت نفسه عازلة للصدمات الاقتصادية المستقبلية التي تقلل من الآثار الدورية وتضمن مزيدًا من الاستقرار للجهات الفاعلة الاقتصادية.
وهو اقتصاد مستدام يجعل التوزيع العادل للثروة والتنمية البشرية وخلق الثروة واجبًا دينيًا للفرد والأمة والإنسانية. فالتوزيع العادل للثروة مبدأ قرآني وفق الآية القرآنية التالية: “كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم” (الآية7، سورة الحشر).
والنموذج الاقتصادي الإسلامي يملك الثبات في تشريعاته ويحمل المتغير. إنه نموذج يحتفظ بمعاييره ومستودعه ولكنه يبتكر في الأدوات والآليات. فينتج الثروة ويوزعها، ويدعو للتطوير المستمر للآليات والأدوات والمهارات اللازمة لجعل مواجهة التحديات الجديدة للمجتمعات البشرية.
وبالتالي، إذا كان النظام الاقتصادي الرأسمالي يقوم على بعض المفاهيم والقواعد التي هي أساس تدميره إذا لم تعالج وتصوب تصويبا عاجلا… وهو اليوم يقف على حافة بركان، ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة). كما يقول موريس آلي (جائزة نوبل) فإن الاقتصاد الإسلامي نموذج بديل يتصف بالشمولية والاستقرار والاستدامة والتدرجية والعدالة، وأي فشل في تدهور المبادئ ليس في حد ذاته فشلًا للنموذج بل إنه فشل للذين لا يقدمونه بالشكل المطلوب.
——————-
المراجع:
مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية –
(http://www.kantakji.com/…/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8… IBRC
الاقتصاد العادل: اقتصاد الموارد لا اقتصاد الديون (نماذج من الاعجاز التشريعي في مجال التنمية) للدكتور: محمد النوري /باحث في الاقتصاد الإسلامي، العدد الثالث من مجلة إعجاز الدولية للبحث والتأمل العلمي ص: 48
https://revues.imist.ma/?journal=ienmjap
مقالة: التمويل الإسلامي لتنظيف النظام المالي، Michel Santi
https://www.lorientlejour.com/…/la-finance-islamique-pour-a
هل يقبل الغرب أن ينقذ نفسه بالمالية الاسلامية؟ Michel Santi
مقالة: مقترح بمشروع قانون للمصارف الإسلامية من إعداد د. محمد وفيق زين العابدين
SHAYERAH ILIAS, IslamicFinance: Over View and Policy Concerns, Congressional, Research Services- 7-5700 RS22931.Fabrwary9,2009.CRs..gov.pp10
مقتطف من مقالة: الربا وأثره على الأزمة الاقتصادية العالمية”رؤية إسلامية للحل “أ . د محمد بن ناصر بن محمد القرني
بلوافى,احمد مهدى: أزمة عقار أم أزمة نظام, الأزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور اسلامى (مجموعة باحثين), مركزأبحاث الاقتصاد الإسلامى, مركز النشر العلمى, جامعة الملك عبد العزيز, جده 1430هـ.ص249
توماس,سويل: الاقتصاد التطبيقى, كلمات عربية للترجمة والنشر, القاهرة,2010,ص123.
مقالة للدكتور أحمد الطاهري موجهة للمؤتمر الدولي الثامن للإعجاز المنعقد ببرشلونة أيام 4و5و6 أبريل 2019.