الإعجاز العلمي في الطب الوقائي

إعجاز توجيهات تجنب لحوم الحيوانات الخطيرة

لقد كانت الأوبئة الفاتكة والأمراض المعدية في العالم الإسلامي أقل بكثير منها في أوربا،  في نفس المرحلة بل إن موجات الطاعون التي كانت تقضي على ربع سكان أوربا كانت تنكسر حدتها عند حدود العالم الإسلامي.

كما قد تنتقل الكائنات الدقيقة للإنسان عن طريق أكل لحم الحيوانات الخازنة أو المصابة بها أو تناول منتجاتها لذلك حرم الإسلام أكل لحومها أو حتى التعامل معها وسماها خبائث في قوله تعالى: ( وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ” الأعراف157). {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏} [سورة المائدة:  آية 3]

فحرم أكل لحوم الحيوانات الميتة والدم وأكل لحم الخنزير،  والسباع والطيور الجارحة،  وأكل الحيوانات والطيور التي تتغذى على القذورات،  واقتناء الكلاب والتعامل معها إلا لضرورة،  وقد أثبت العلم أن هذه الحيوانات ولحومها تشكل بؤراً لتجمعات هائلة وخطيرة من الكائنات الدقيقة الفاتكة بالإنسان،  فماذا قال العلم الحديث فيها ؟ إن لحوم الميتة والدماء المسفوحة هي أولى الخبائث التي حرمها الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى:  (حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ(المائدة3) ولقد تحقق ضررها علمياً وظهر خطرها على حياة الإنسان،  وذلك لأن احتباس دم الميتة في عروقها المتشعبة ضمن أنسجتها ييسر للجراثيم التي تعيش متطفلة على الحيوان،  في الفتحات الطبيعية والأمعاء والجلد،  أن تنتشر بسرعة وسط اللحم من خلال السائل الزلالي في الأوعية والعروق،  وتتكاثر بسرعة وينتج عنها مركبات كريهة الرائحة سامة التأثير،  كما قد يموت الحيوان بسبب مرض معين فتنتقل جرثومة المرض إلى الإنسان فتؤذيه وقد تهلكه،  كما في مرض السل والجمرة الخبيثة وجراثيم السلمونيلا وداء الكلب. 

وقد حرم الله سبحانه أيضاً الميتة بسبب الاختناق أو بسبب الرض سواء كان ذلك الرض بالوقذ أو التردي من مكان عال أو بواسطة النطح من حيوان آخر وكذلك ما أكل السبع.

لأن تلك الأنواع إضافة إلى ما ينتج عن احتباس دمائها في أنسجتها من الأخطار السابقة فإن الاختناق يزيد من سرعة تعفن الجثة،  والرض يسبب انتشار للدم تحت الجلد وداخل اللحم والأنسجة في الأماكن المرضوضة،  وقد تكون به جروح تسهل عبور جراثيم الهواء إلى داخل الأنسجة فتعجل بتحللها وفسادها،  وما تحمله السباع من جراثيم وكائنات دقيقة فتاكة بين أنيابها تؤدي نفس النتيجة بأنسجة الحيوان ولحمه مما تجعله يشكل خطراً داهما على حياة الإنسان حينما يأكل لحمه. أخطار أكل الدم:  يعتبر الدم من أخطر الأوساط لنمو شتى الجراثيم وانتشارها وحينما يسفح الدم بالذبح أو الفصد فإنه ينعزل عن الأوعية الدموية التي تحفظ حيويته وتقيه من التلوث حيث تفقد كريات الدم البيضاء قدرتها على التهام الجراثيم وتموت خلايا جهاز المناعة،  وتنهدم آلياته فتتكاثر الجراثيم بسرعة مذهلة،  وتفرز سموماً (Toxins) فتاكة قد تكون أشد مقاومة لحرارة الطبخ من الجراثيم ذاتها.

أخطار لحم الخنازير:

أما الخنزير فإننا نوجز القول فيه حيث يقول ربنا سبحانه عنه:  (فإنه رجس) والرجس الشيء القذر،  والأقذار والنجاسات هي السبب الأكبر في إصابة الإنسان بالأمراض المختلفة لما فيها من جراثيم وطفيليات ممرضة،  فالخنزير ينقل إلى الإنسان كثيراً من الكائنات الدقيقة الخطرة حيث يصاب الخنزير بعدد كبير من الأمراض الوبائية لا تقل عن (450) مرضاً ويقوم بدور الوسيط لنقل أكثر من (75) مرضاً وبائياً للإنسان غير الأمراض العادية الأخرى التي يسببها أكل لحمه،  مثل تليف الكبد وعسر الهضم والحساسية الغذائية وتصلب الشرايين وتساقط شعر الرأس وضعف الذاكرة والعقم،  وتنشيطه لمرض الربو والروماتيزم وكثرة الأكياس الدهنية وعلاوة على آثارة السيئة على العفة والغيرة في التكوين النفسي.

وينقل الخنزير بمفرده (27) مرضاً إلى الإنسان وتشاركه بعض الحيوانات في بقية الأمراض على أنه يقوم بدور المخزن والمصدر الأساسي لهذه الأمراض في نقلها إلى الإنسان مباشرة بنقلها إلى الحيوانات القابلة للعدوى،  ثم منها إلى الإنسان.

وينتقل أكثر من (16) مرضاً من الخنزير إلى الإنسان عن طريق تناول لحمه ومنتجاته…
وأهم هذه الأمراض هي الحويصلات الخنزيرية والحمى المتموجة والدودة الكبدية وداء وايل،  وداء المكسيات اللحمية،  والتهاب السحايا والمشيمة،  وداء اليرقانات الشريطية الجوالة،  والدودة الوحيدة المسلحة،  وداء المصورات الذيفانية المقوسة وداء الشعريات الحلزونية،  والديدان السوطية،  وداء السل،  وداء المبيضات الفطرية،  والالتهابات المعوية بجراثيم السالمونيلات والشايجالا وغير ذلك.

كما تنتقل عن طريق المخالطة والتربية والتعامل مع منتجات الخنزير ومخلفاته عدة أمراض لا تقل عن (32) مرضاً،  وأكثر الناس إصابة بها هم عمال الزرائب والمجازر والأطباء البيطريين. وأهم هذه الأمراض علاوة على بعض الأمراض السابقة،  الجمرة الخبيثة،  الكلب الكاذب،  الزحار الزقي،  الحمى القلاعية،  الجمرة الخنزيرية،  التسمم الدموي،  الأنفلونزا الخنزيرية،  الحمى اليابانية الخنزيرية،  الديدان الرئوية الخنزيرية،  الجرب الغائر،  السعار،  داء النوم،  الديدان القنفدية،  وغير ذلك.كما تنتقل عدة أمراض لا تقل عن (28) مرضاً عن طريق تلوث الطعام والشراب بمخلفات الخنزير.

أخطار الكلاب:

لقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن مخالطة الكلاب،  وهي سباع مدجنة فيها من الطفيليات والجراثيم الدقيقة الشيء الكثير،  والتي قد تسبب للإنسان أخطاراً محققة منها على سبيل المثال:

1. احتواء أمعاء الكلاب على أعداد كبيرة من الديدان الشريطية والتي تنتقل إلى الإنسان عن طريق ابتلاع بيضها الموجود في الطعام أو الماء الملوث ببراز الكلاب.

  1. داء الكَلَب المعروف وبعض أنواع داء الليشمانيات.
  2. مرض الكيسة المائية الكلبية والتي تكون الكلاب فيها هي السبب الغالب في إصابة الإنسان وحيواناته الأليفة والتي تتغذى على الجيف،  ذلك لأن الكلب ينظف أسته بلسانه فتنتقل بيوض ديدان (الشريطية المكورة المشوكة) والتي تعيش في أمعائه إلى الإنسان عن طريق الطعام أو الماء الملوث بها وتسبب له (داء الكيسات المائية الخطير).
  3. كثير من الأمراض الطفيلية وأخطرها مرض (عداري) والتي تسببه الدودة الشريطية (أكنوكاوكاس جرانيولوساس) والتي توجد في كل مناطق العالم التي تعيش فيها الكلاب على مقربة من الحيوانات الداجنة آكلة العشب.

من هذا وغيره ندرك السر في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن اقتناء الكلاب إلا لضرورة.
روى الإمام مسلم وأبو داود والبيهقي عن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب). وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام:  (من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط) رواه الشيخان واللفظ لمسلم. كما ندرك السر في قوله صلى الله عليه وسلم:  ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). رواه مسلم أما استهلاك لحوم الكلاب فقد حرمه الإسلام في إطار تحريم استهلاك لحم كل ذي ناب من السباع.

أخطار السباع والطيور الجارحة:

حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل لحوم بعض الحيوانات لخطر يحيق بالإنسان أو ضرر يصيبه فحرم لحم كل ذي ناب من السباع ولحم كل ذي مخلب من الطير.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:  (نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) رواه مسلم. وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل ذي ناب” من السباع فأكله حرام). كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحيوانات الشديدة الضرر على صحة الإنسان كالفأرة من القوارض والغراب والحدأة من الطيور الجارحة،  والكلب العقور من السباع المدجنة،  والحية من الزواحف. ينتشر طفيل (الشعرنية ناتيفا) بين الدببة والثعالب القطبية ويصاب الإنسان بها فور تناول لحوم هذه الحيوانات أو الحيوانات الحاضنة لهذا الطفيل بصورة ثانوية كالقط،  كما ينتشر طفيل (تريخينلا نلسوني) في الضباع وبنات آوي والنمور والأسود وبعض الحيوانات المفترسة الأخرى،  وتقع معظم الإصابات البشرية في أفريقيا بتناول لحم الخنزير الداجن والوحشي،  وهما حاضنان ثانويان لهذا الطفيل لأنهما يتغذيان على الجيف،  كما تنتشر الطفيليات التي تعرف بالشعرينات شبه الحلزونية،  (تريخنيليا سود وسيبراليس) في الطيور الجوارح (ذات المخلب) ويصاب الإنسان بالعدوى إذا تناول لحم الجوارح من الطيور كالنسر والعقبان والصقور وغيرها.

أكل لحوم الجلاّلة وشرب ألبانها:

كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الجلالة وشرب ألبانها وأكل الحمر الأهلية.

روى البيهقي والبراز عن أبي هريرة رضي الله عنه قال”:  (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وشرب ألبانها وأكلها وركوبها”. الجلالة هي كل دابة تأكل الأقذار وخصوصاً العذرة،  التي تعتبر بيئة خصبة لنمو وتكاثر الديدان والطفيليات والجراثيم الضارة،  إذ تحتوي على عدد هائل منها،  يزيد على المائة بليون جرثومة في الجرام الواحد،  لذلك فالعذرة تشكل مخزناً ومصدراً رئيسياً للخطر. كما أثبتت الأبحاث العلمية أن الأقذار تحتوي على نسبة عالية ومتنوعة من السموم الخطرة على صحة الإنسان،  فإذا تناولها حيوان أو طير انتشرت هذه الجراثيم في دمه ولحمه،  وترسبت في أنسجته،  وعندما يتناول الإنسان لحم هذا الحيوان أو لبنه،  يصاب بالعلل والأمراض.

مراجع:
الإعجاز العلمي في علوم الطب الوقائي(محمد بورباب, 2013)
مقالة للد. عبدالجواد الصاوي                                                                           
http://www.eajaz.org

د. محمد بورباب

الأستاذ الدكتور محمد بورباب تخصص: بيولوجية جزيئية بيولوجيا/جيولوجيا أستاذ زائر علم الأحياء الجنائي رئيس هيئة الإعجاز لشمال المغرب رئيس المؤتمر الدولي لتطوان بالمملكة المغربية رئيس تحرير مجلة إعجاز الدولية للبحث والتأمل العلمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى