الإعجاز العلمي في علوم التشريح والوظائف

الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في السمع والبصر والفؤاد

قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ  سعيرا) س الاسراء

قدمت الآيات البينات (السمع) على (البصر) لأسبقيته في الخلق والتطور العضوي والوظيفي، وللمميزات الكثيرة لحس السمع على حس البصر

قال الله تعالى:﴿….إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء:36).

إحصاءات ودلالات: سبقت كلمة السمع كلمة البصر وبلا استثناء ـ إعجاز علمي

ذكرت كلمة (السمع ومشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم 185 مرة بينما وردت فيه كلمة (البصر) ومشتقاتها وتصاريفها 148 مرة وحيثما وردت كلمة السمع في القرآن الكريم عنت دائماً سماع الكلام والأصوات وإدراك ما تنقله من معلومات، بينما لم تعن كلمة البصر رؤية الضوء والأجسام والصور بالعينين إلا في 88 حالة فقط، إذ إنها دلت في باقي المرات على التبصير العقلي والفكري بظواهر الكون والحياة أو بما يتلقاه المرء ويسمعه من آيات وأقوال. وقد ترافقت كلمتا (السمع) و (البصر) في 38 آية كريمة. كما قال تعلى( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ (وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون(َ ﴿9﴾ السجدة

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴿78﴾ المؤمنون

…(.وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْء…ٍ (الأحقاف:26 )

(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) النحل: 78

(قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) الملك: 23

(أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون). يونس:31

(ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون)) هود:20 )

 (إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً)    (الإنسان: 2 ) وقد وردت كلمة (الصمم) مترافقة مع كلمة (العمى) في ثمان آيات سبقت في معظمها كلمة (الصمم) كلمة (العمى 

كما في قوله تعالى:

أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) محمد: 23)

صم بكم عمي فهم لا يعقلون) البقرة: 171 )

صم بكم عمي فهم لا يرجعون) البقرة: 18 )

والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعمياناً). الفرقان:73 )

وهكذا فمن الملاحظ في هذه الآيات الكونية أن كلمة السمع قد سبقت البصر وبلا استثناء، فلا بد وأن نتساءل هل لهذا السبق من دلالة خاصة؟

 قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال وللوهلة الأولى وعلى ضوء المعلومات الأولية التي نعرفها عن هذين الحسين صعبة وعسيرة الفهم، فمن المعلوم فيزيولوجيا وتشريحياً :

  • أن العصب السمعي لا يحتوي إلا على ثلاثين ألف ليف فقط
  • كما أن من المعروف فيزيولوجيا أن ثلثاً عدد الأعصاب الحسية في الجسم هي أعصاب بصرية،
  • ·         ولا يرد إلى الجسم من مجموعة المعلومات الحسية عن طريق الجهاز السمعي أكثر من 12% بينما يرد إلى الجسم عن طريق الجهاز البصري حوالي 70% من مجموع المعلومات الحسية.

إذاً فم هو سبب هذا التقدم لحس السمع وإيراده قبل حس البصر في كل الآيات تقريباً؟ فلا بد وأن هناك سبباً لم نعرفه بعد، ولكننا لو تبصرنا في الحقائق العلمية التي عرفت حديثاً في علوم الأجنة والتشريح والفيزيولوجي والطب لتمكنا من إيجاد الأجوبة ولاتضح لنا الإعجاز العلمي في هذه الآيات الكريمة.

تطور آلتا حسي السمع والبصر في وقت متزامن تقريباً في الحياة الجنينية الأولى:  فمما عرفناه حتى الآن من هذه الحقائق تتطور آلتا حسي السمع والبصر في وقت متزامن تقريباً في الحياة الجنينية الأولى، إذ تظهر الصحيفة السمعية في آخر الأسبوع الثالث (Otic Placode) وهي أول مكونات آلة السمع، بينما تظهر الصحيفة البصرية في أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين.وتتطور الأذن الداخلية للجنين من هذه الصحيفة السمعية. فيظهر في الأسبوع الرابع الكيس الغشائي لحلزون الأذن (Cochlea Membraneous) الذي ينمو طولياً ويلتف لفتين ونصف مكونا الحلزون الكامل في الأسبوع الثامن، ثم تتم إحاطة الحلزون بغلاف غضروفي في الأسبوع الثامن عشر، وينمو هذا حتى يصل حجمه الحجم الطبيعي له عند البالغين في نهاية الأسٍبوع الواحد والعشرين، عندما ينمو فيه عضو كورتي (وهو عضو حس السمع) وتظهر فيه الخلايا الشعرية الحسية التي تحاط بنهايات العصب السمعي. وبهذا تكون الأذن الداخلية قد نمت ونضجت لتصل إلى حجمها الطبيعي عند البالغين وأصبحت جاهزة للقيام بوظيفة السمع المخصصة لها في الشهر الخامس من عمر الجنين.وكما سنرى أن هذا القسم من الأذن يتمكن منفرداً من التحسس للأصوات ونقل إشاراتها إلى الدماغ لإدراكها دون أية ضرورة لمساهمة الأذنين الوسطى والخارجية من الأديم الظاهر والأذن الوسطى من الأديم المتوسط فتتولد عظيمات وعضلات الأذن الوسطى وبوق اوستاكي وغشاء الطبلة والصماخ السمعي الخارجي خلال الأسابيع 10 ـ 20 ثم يتم اتصالها بالأذن الداخلية في الأسبوع الحادي والعشرين. كما يتضح شكل صيوان الأذن في بداية الشهر الخامس ويتكامل نموه في الأسبوع الثاني والثلاثين.أما العين فلا يتم تكامل طبقتها الشبكية الحساسة للضوء إلا بعد الأسبوع الخامس والعشرين ولا تتغطى ألياف العصب البصري بالطبقة النخاعية لتتمكن من نقل الإشارات العصبية البصرية بكفاءة إلا بعد أسابيع من ولادة الجنين. كما يبقى جفني عيني الجنين حتى الأسبوع السادس والعشرين من الحياة الجنينية.

أسبقيتة السمع في الخلق والتطور  الجنيني العضوي والوظيفي ـ إعجاز علمي

1. الأذن الداخلية للجنين تنضج ( الشهر الخامس) قبل العين ( الشهر السابع )

يتضح مما تقدم أن الأذن الداخلية للجنين تنضج وتصبح قادرة على السمع في الشهر الخامس، بينما لا تفتح العين ولا تتطور طبقتها الحساسة للضوء إلا في الشهر السابع وحتى عند ذاك لن يكون العصب البصري مكتملاً لينقل الإشارات العصبية الضوئية بكفاءة، ولن تبصر العين لأنها غارقة في ظلمات ثلاث.

2- تطور السمع والبصر خلال الحياة الجنينية:

 لقد ثبت علمياً أن الأذن الداخلية للجنين تتحسن للأصوات في الشهر الخامس، ويسمع الجنين أصوات حركات أمعاء وقلب أمه، وتتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية في الأذن الداخلية، والعصب السمعي والمنطقة السمعية في المخ، يمكن تسجيلها بآلات التسجيل المختبرية، وهذا برهان علمي يثبت سماع الجنين للأصوات في هذه المرحلة المبكرة من عمره. ولم تسجل مثل هذه الإشارات العصبية في الجهاز البصري للجنين إلا بعد ولادته.

كما أن من المهم أن نعرف أن الأصوات تصل الأذن الداخلية عن طريقين:

الطريق الأول: هو طريق الأذن الخارجية ثم الوسطى والمملوءتان بالهواء في الإنسان الطبيعي.

الطريق الثاني: هو طريق عظام الجمجمة. فالاهتزازات الصوتية تنتقل بالطريقة الأولى بواسطة الهواء، وتنتقل بالطريقة الثانية بواسطة عظام الجمجمة وهي ناقلة جيدة للأصوات، ولكن الأذن الخارجية للجنين مملوءة ببعض الألياف وبسائل السلى، ولكن السوائل هي الأخرى ناقلة جيدة للأصوات فعند غمر رؤوسنا بالماء عند السباحة نتمكن من سماع الأصوات جيداً. من ذلك يتضح أن الجنين يمكنه أن يسمع الأصوات التي قد تصل إلى أذنه الداخلية إما عن طريق الجمجمة أو عن طريق الأذن الخارجية المملوءة بسائل السلي والأنسجة، من الناحية الأخرى لا يتمكن الجنين من أن يبصر خلال حياته الجنينية، لا لظلام يحيطه فقط بل لانسداد أجفانه، وعدم نضوج شبكية عينية، وعدم اكتمال العصب البصري حتى وقت متأخر من حياته الجنينية.

3ـ اكتمال حاستي السمع والبصر خلال الحياة الجنينية:

يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بالطريقة الطبيعية بعد بضعة أيام من ولادته بعد أن تمتص كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطى والمحيطة بعظيماتها ثم يصبح السمع حاداً بعد أيام قلائل من ولادة الطفل.

ومن الملاحظ أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع الأصوات وهو في رحم أمه، فجميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الأصوات إلا بعد ولادتها بفترة، وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح ذلك.

فالإنسان يسمع الأصوات قبل ولادته بأكثر من 16 أسبوعاً. وخنزير غينيا (قبيعة) بعد ولادته بحوالي 5 ـ 6 أيام. والأرنب يسمعها بعد ولادته بـ 7 أيام. والكلب يسمعها بعد ولادته بـ 10 أيام.

أما حاسة البصر فهي ضعيفة جداً عند الولاة إذ تكاد أن تكون معدومة، ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام، ولا يرى إلا صوراً مشوشة للمرئيات، وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره وتثبيته على الجسم المنظور، ولكنه يبدأ في الشهر الثالث أو الرابع تمييز شكل أمة أو قنينه حليبه وتتبع حركاتهما، وعند الشهر السادس يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص، إلا أن الوليد في هذا السن يكون بعيد البصر، ثم يستمر بصره على النمو والتطور حتى السنة العاشرة من عمره.

4ـ تطور المناطق السمعية والبصرية المخية خلال الحياة الجنينية:

لقد ثبت الآن أن المنطقة السمعية المخية تتطور وتتكامل وظائفها قبل مثيلتها البصرية وقد أمكن تسجيل إشارات عصبية سمعية من المنطقة السمعية لقشرة المخ عند تنبيه الجنين بمنبه صوتي في بداية الشهر الجنيني الخامس، وتحفز الأصوات التي يسمعها الجنين خلال النصف الثاني من حياته الجنينية هذه المنطقة السمعية لتنمو وتتطور وتتكامل عضوياً ووظائفياً، ومن الناحية الأخرى لا تنبه المنطقة البصرية للمخ في هذه الفترة بأية منبهات ولذلك فهي لا تتطور كثيراً ولا تنضج ولا تتكامل، فمن المعلوم فيزيولوجيا أن المنبهات النوعية التي ترد عن أي طريق عصبي حسي تحفزه على النمو والنضوج وبهذه الطريقة يحفز الجهاز العصبي على النضوج منذ الشهر الخامس الجنيني ولا يحفز الجهاز البصري بمثل ذلك إلا بعد ولادته.

ولهذه الأسباب يتعلم الطفل المعلومات الصوتية في أوائل حياته قبل تعلمه المعلومات البصرية، ويتعلمها ويحفظها أسرع بكثير من تعلمه المعلومات المرئية، فهو مثلاً يفهم الكلام الذي يسمعه ويدركه ويعيه أكثر من فهمه للرسوم والصور والكتابات التي يراها، ويحفظ الأغاني والأناشيد بسرعة ويتمكن من تعلم النطق في وقت مبكر جداً بالنسبة لتعلمه القراءة والكتابة، وكل ذلك لأن مناطق دماغة السمعية نضجت قبل مناطقه البصرية قال تعالى: (لنجعلها لكلم تذكرة وتعيها أذن واعية) الحاقة: 12

5ـ تطور منطقة التفسير اللغوي في قشرة المخ خلال الحياة الجنينية:

 تنمو وتتطور منطقة التفسير اللغوي (gel) في قشرة المخ والتي تقع بالقرب من منطقة حس السمع وترتبط معها ارتباطاً أقرب و أوثق من ارتباطها مع منطقة حس البصر (التي هي الأخرى تساهم في وظيفة الكلام والإدراك اللغوي عن طريق القراءة والكتابة.

إن هذا التقارب بين هاتين المنطقتين ناتج عن حقيقة تطور منطقة حس السمع ووظائفه في وقت مبكر وقبل نضوج منطقة ووظائف حس البصر. يتضح لنا من كل ما تقدم أن:

أ) جهاز السمع يتطور جنينياً قبل جهاز البصر ويتكامل وينضج حتى يصل حجمه في الشهر الخامس من حياة الجنين الحجم الطبيعي له عند البالغين بينما لا يتكامل نضوج العينين إلا عند السنة العاشرة من العمر.

ب) يبدأ الجنين بسماع الأصوات في رحم أمه وهو في الشهر الخامس من حياته الجنينية ولكنه لا يبصر النور والصور إلا بعد ولادته.

ج) تتطور وتنضج كل المناطق والطرق السمعية العصبية قبل تطورها ونضوج مثيلاتها البصرية بفترة طويلة نسبياً.

وهنا لا بد أن نعود إلى الآيات الكريمة:

(وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) المؤمنون: 78 )

(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) السجدة: 9 )

(وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة) الأحقاف:26 )

(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) النحل: 78

(أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت) يونس: 31 )

(إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً) الإنسان: 2 )

(أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم) النحل: 108 )

كل هذه الآيات تشير إلى خلق ونشأة الإنسان وفي كلها دون استثناء تقدم ذكر السمع على البصر هذه لم تكن صدفة عابرة من غير قصد ولكنها إعجاز رباني لم نهتد إلى معرفته إلا مؤخراً بعد سبر غور الحقائق العلمية الحديثة التي تثبت الإعجاز العلمي في هذه الآيات الكريمات.

بل إن الحديث النبوي قد تضافر مع آيات القرآن الكريم في تقديم السمع، وكيف لا وهما من مشكاة واحدة، يقول الرسول. عليه الصلاة والسلام: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها)… الحديث.

ثم دعونا ننظر إلى الآيات الكريمة الأخرى التي ترافقت فيها كلمتا (السمع) و(البصر) في قوله تعالى:

(لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً) مريم: 42 )               

(ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) هود: 20

(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) الإسراء: 36 )

(قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم) الأنعام: 46 )

(وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) فصلت: 22 )

(لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) البقرة: 20  )

(وحتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعلمون) فصلت 20 )

في هذه الآيات يشير القرآن الكريم إلى وظيفتي السمع والبصر، ولأن الوظيفة الأولى تطورت ونضجت قبل الثانية ولأن السمع أهم في التعلم والتعليم وأعمق رسوخاً في ذاكرة الطفل فقد قدمها. جل وعلا.

 مميزات كثيرة لحس السمع على حس البصر ـ إعجاز علمي

تبين الحقائق العلمية السالفة الإعجاز العلمي في هذه الآيات الكريمة، وهناك نواح عديدة أخرى تميز السمع على البصر نضيفهما لما تقدم:

1ـ المرء يفقد حس البصر قبل فقدانه حس السمع

من المعروف فيزيولوجيا إن المرء يفقد حس البصر قبل فقدانه حس السمع عند بدء النوم أو التخدير (التبنج) أو عند الاحتضار قبيل الموت أو عند هبوط ضغط الأوكسجين في الهواء (كما يحصل مثلاً عند الصعود إلى الناطق الجبلية العليا أو عند الطيران في الأجواء العليا) أو عند فقر دم الدماغ (كما يحصل للصائم مثلاً إن ملأ معدته بغذاء وفير وبسرعة كبيرة أو عند النهوض السريع والمفاجئ من وضع الاستلقاء) ففي كل هذه الحالات لا يفقد حس السمع إلا بعد فقدان حس البصر بفترة قصيرة.

2ـ تأثير السرعة والارتفاع على السمع والبصر:

يولد التسارع أو التعجيل الشديد عند الطيارين أو عند رواد الفضاء أثناء الطيران والارتفاع السريع تجاذباً موجباً يؤثر على البصر ويسبب ضباب الرؤية قبل فقدانها تماماً والإصابة بالعتمة التامة، ولا يفقد الطيار في هذه الأحوال حس السمع كله بل يبقى جزء كبير منه لفترة تالية تبقى باتصال صوتي مع المحطات الأرضية.

3ـ الساحة السمعية والبصرية:

يتمكن الإنسان من سماع الأصوات التي تصل إلى أذنيه من كل الاتجاهات والارتفاعات فيمكننا القول:

إن الساحة السمعية هي 360، بينما لو ثبت الإنسان رأسه في موضع واحد فلن يتمكن من رؤية الأجسام إلا في ساحة بصرية محدودة تقارب الـ 180 في المستوى الأفقي و 145 في الاتجاه العمودي أما ساحة إبصاره للألوان فهي أقل من ذلك كثيراً، كما أن أشعة الضوء تسير بخط مستقيم دائماً فإذا اعترضها جسم غير شفاف فلن تتمكن من عبوره أو المرور حوله ولكن الموجات الصوتية تسير في كل الاتجاهات ويمكنها أن تلف حول الزوايا وعبر الأجسام التي تصادفها فهي تنتقل عبر السوائل والأجسام بسهولة فيسمعها الإنسان حتى عبر الجدران.

تأثير إصابة الدماغ على السمع والبصر:

4ـ حس السمع لكل أذن يتمثل في جهتي المخ

 من المهم ملاحظة أن حس السمع لكل أذن يتمثل في جهتي المخ فإذا أصيب أحد نصفي الدماغ بمرض ما فلن يفقد المصاب السمع في أي من أذنيه، أما في حالة البصر فيتمثل كل نصف من نصفي العين الواحدة على جهة المخ المعاكسة لها فإذا ما أصيب الدماغ بمرض في أحد نصفيه فقد المصاب البصر في نصفي عينيه المعاكسين لجهة الإصابة.

5ـ المولود الذي يولد فاقداً لحس السمع يصبح أبكماً :

من المعلوم أن المولود الذي يولد فاقداً لحس السمع يصبح أبكماً بالإضافة إلى صممه ولن يتمكن من تعلم النطق والكلام أما الذي يولد فاقدا لحس البصر فإنه يتمكن من تعلم النطق وبسهولة وهذا. على ما يظهر ـ ترافق لفظ (الصم) مع (البكم) والله أعلم.

(صم بكم عمي فهم لا يرجعون) البقرة: 18 )

( صم بكم عمي فهم لا يعقلون) البقرة 171 )

6ـ عند فقدان حس البصر تقوم المنطقة البصرية المخية بوظائف ارتباطيه

 فترتبط وظيفياً مع المناطق الارتباطية الدماغية الأخرى فتزيد من قابلية الدماغ على حفظ المعلومات والذاكرة والذكاء، ولا تقوم المناطق السمعية ـ لسبب غير معروف. بمثل هذا الارتباط عند فقدان حس السمع، ولذلك فقد نبغ الكثيرون ممن فقدوا حس البصر، ولم ينبغ أحد ممن فقد حس السمع إلا نادراً مما يدل على أهمية حس السمع والمبالغة في تخصص مناطقه المخية.

7ـ المحيط الأولي والمجتمع الذي نزل فيه القرآن الكريم إذ إنه تميز بطبيعة سمعية أكثر منها بصرية:

 لا بد هنا من الإشارة إلى المحيط الأولي والمجتمع الذي نزل فيه القرآن الكريم إذ إنه تميز بطبيعة سمعية أكثر منها بصرية فليس هناك في الصحاري منبهات بصرية بقدر ما فيها من منبهات سمعية، كما كان مجتمع ذلك العصر مجتمعاً سمعياً أكثر منه بصريا فالآيات القرآنية الكريمة كانت تسمع وتحفظ في الصدور وتتناقل عن طريق الرواة وبالرغم من أن كتاب الوحي كانوا يدونونها إلا أن القرآن الكريم لم يعمم على الأمصار إلا في زمن الخليفة الثالث.

وبقية الأحاديث النبوية الشريفة غير مدونة لوقت متأخر، ولعل السبب في ذلك يعود إلى قلة من كانوا يجيدون القراءة والكتابة إذ قيل إن عددهم في مكة عند أول ظهور الإسلام لم يتجاوز بضعة أفراد، كما أن العرب لم يدونوا شعرهم الغزير حتى وقت متأخر ولكنه كان يحفظ وترويه الرواة ويلقى في الأسواق والمناسبات فيستمع الكل إليه.

8ـ خص الله ـ سبحانه وتعالى ـ حس السمع وجهازه ولم يذكر البصر عندما أراد تخصيص أهمية حواس بعض عباده فقال سبحانه وتعالى:

(وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي ءاذانهم وقراً) الأنعام: 25 )

(يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق حذر الموت) البقرة: 19 )

(فضربنا على ءاذانهم في الكهف سنين عددا) الكهف:11 )

(جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم) نوح: 7 ) (لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) الحاقة:12)

9ـ تؤكد الآية الكريمة الأخيرة على أن الإحساسات الصوتية التي يسمعها الإنسان بأذنيه تصل مستوى الوعي أحسن من تلك التي تصله عن غير طريقهما كالبصر مثلاً.

10ـ الآيات القليلة التي ورد فيها ذكر (البصر) قبل كلمة (السمع) هي تلك الآيات التي تنذر بالعقاب أو تصف الكافرين، وليس في أي منها إشارة لتخلق هذين الحسين أو لوصف وظيفتها أو تطورهما.

(ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم ءاذان لايسمعون بها) الأعراف 179 )

(وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم) المائدة: 71 )

(ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) الإسراء: 97 )

(أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها) الأعراف: 195 )

11- ـكثرة المعلومات البصرية لا تعني دائماً أنها تولد إدراكاً ومفاهيم أكثر وأعمق في دماغ الإنسان:

 أما عن كثرة المعلومات البصرية التي ترد الجسم بالنسبة للمعلومات السمعية القليلة نسبياً التي تصل إليه فلا بد من أن نعرف أن كثرة المعلومات لا تعني دائماً أنها تولد إدراكاً ومفاهيم أكثر وأعمق في دماغ الإنسان مما تولده المعلومات السمعية على قلتها، فالذاكرة السمعية أرسخ من الذاكرة البصرية، والرموز الصوتية تعطي مدلولات ومفاهيم أكثر من الرموز الضوئية، فمن المعلوم مثلاً أن نطق الكلمة الواحدة بلهجات ونغمات متباينة تنقل للسامع مفاهيم مختلفة، ولو كتبنا الكلمة نفسها بمختلف الصور الخطية لنقلت دائماً لقارئها مفهوماً واحداً لا غير، ومن المعلوم جيداً أن الأفلام الصامتة لا توصل من المعلومات إلا جزءاً يسيراً مما يمكن أن تنقله الأفلام الناطقة.

هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة قبل أربعة عشر قرناً، ولم يعرف الكثير منها إلا في العقود الأخيرة من هذا القرن حتى إن من العلماء من كانوا كشفوا الكثير من الحقائق الناصعة التي تبين بكل وضوح وجلاء الإعجاز العلمي في الآيات البينات التي قدمت (السمع) على (البصر) لأسبقيته في الخلق والتطور العضوية والوظيفي، وللمميزات الكثيرة لحس السمع على حس البصر.

وصدق الله العظيم القائل:(سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)) فصلت: 53 )

السمع والأبصار والأفئدة 

قال تعالى : )وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)

 وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون:78)

وقال تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (السجدة:9)

وقال تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك:23)

وقال تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الاحقاف:26) جعل وأنشأ تعني: صيّر ، والأفئدة جمع فؤادٍ , من فأد أي اتقد . وهي القوى العقلية والعاطفية كالنطق والتفكر والحفظ والتذكر و الأحاسيس ، ومركزها الدماغ .

تقدم السمع على البصر ـ إعجاز علمي

لقد ذكر القرآن الكريم ترتيب هذه الحواس بصورة مطابقة لمواقعها التشريحية في الدماغ وكذلك من ناحية بدء وظيفتها وعملها:

  • فمن الناحية الوظيفية تبدأ حاسة السمع بالعمل في الجنين منذ الشهر الخامس من حياته (أي قبل ولادته بنحو أربعةِ أشهر ). والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع الأصوات وهو في رحم أمه , فجميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الأصوات إلا بعد ولادتها بفترة !

أما حاسة البصر فتبدأ بالعمل منذ الشهر الثالث بعد الولادة ، حيث انها تكون ضعيفة جدا أو معدومة عند الولادة ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام ولا يرى إلا صورا مشوشة وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره على الجسم المنظور , وفي الشهر السادس من عمره يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص  الا الوليد في هذا السن يكون بعيد البصر ثم يستمر بصره في النمو والتطور حتى ألسنه العاشرة من عمره .

 فمن المعلوم فسيولوجيا أن المنبهات والمحفزات التي ترد إلى أي طريق عصبي حسي تحفزه على النمو والتطور والنضوج . وبهذه الطريقة يتحفز الجهاز العصبي السمعي  على نضوجه وأداء وظيفته منذ الشهر الخامس الجنيني ولا يحفز الجهار العصبي البصري الا بعد ولادة الوليد لكونه داخل رحم امه يكون في ظلمات ثلاث كما جاء ذلك في القران الكريم  .

أما القوى العقلية والعاطفية فتتكون تدريجيا من السنة الثانية من عمر الوليد، ونرى والله أعلم أن في ترتيب وتتابع كلمات السمع والأبصار والأفئدة في الآيات الكريمة أعلاه إشارة ضمنية إلى ظهور وظيفة حاسة السمع أولا التي تسبق في العمل حاسة البصر والتي تسبق بدورها ظهور القوى العقلية في الوليد.

  • اما من الناحية التشريحية: فإن مركز السمع يقع في الفص الدماغي الصدغي ومركز البصر خلفه في الفص الدماغي القفوي في مؤخرة الدماغ
  • تقدم العين على الأذن

أما بالنسبة لكلمة: “العين” و”الأذن” فنجد أن الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكرهما يتقدم ذكر العين على الأذن دائما كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179) ،وقال تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) (لأعراف:195) ، وقال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) (المائدة:45) فإذا كان السمع يتقدم البصر في الآيات السابقة فإن العين تتقدم الأذن في هذه الآيات. فلو كان التقديم للتشريف فقط لتقدمت الأذن على العين كما تقدم السمع على البصر لأن الأذن أداة السمع والعين أداة البصر فلقد وجد العلماء أن مراكز السمع داخل المخ البشري يتم فيه إدراك المسموعات وعقلنتها ومراكز البصر الدماغية كذلك يتم فيها إدراك المبصرات وعلقنتها وأداة مركز السمع الأذن التي تجلب اليها الأصوات واداة مركز البصر العين التي تجلب اليها الصور.

ومع أن العين في الوجه تتقدم الأذن في رأس الإنسان فإن مركز السمع يتقدم مركز الأبصار في دماغه تشريحيا.

أوجه الإعجاز:

  • تظهر المعجزة العلمية الباهرة في كون القران يفصل بين أداة الحس( العين والإذن ) وقوة الإدراك ( السمع والبصر).: الترتيب المكاني للسمع والبصر في الآيات يأتي وفقا للترتيب المكاني التشريحي لمراكز السمع والبصر في دماغ الإنسان،

وكذلك الحال بالنسبة للعين والأذن تشريحيا فالعين تقع في مقدمة الوجه أمام الأذن, كما هو ملخص في الجدول أدناه.

الترتيب المكاني للسمع والبصر في الآيات يأتي وفقا للترتيب المكاني التشريحي لمراكز السمع والبصر في دماغ الإنسان

الآيات ودلالاتهاالحقيقة العلميةالظاهرة القرآنية ووجه الإعجاز
قال تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179)  (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) (لأعراف:195) (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ)  (المائدة:45)(العين والأذن ) أعضاء حسية تنطلق منهما العملية الحسية للسمع والبصر وهما أداتان استقبال الإهاجات الحسية والسمعية والبصرية الخارجية, حيث تقوم أعصاب حسية بنقل المعلومات منهما إلى حيث يتم إدراكها وفهمها داخل مراكز السمع  والبصر في المخ.  (العين والأذن ) للإبصار والسمع و تشريحيا ترتيبهما في الآيات يأتي وفقا للترتيب التشريحي المكاني داخل الجمجمة, فالعين تقع في مقدمة الوجه أمام الأذن,
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78) (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون:78) (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (السجدة:9) (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك:23) (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الاحقاف:26)    يتواجد مركز السمع في الفص الصدغي ’ ويتواجد مركز الأبصار في الفص المؤخر    (السمع والبصر) يشيران إلى معان حول العقل والفهم والتدبر أو الإدراك العاقل وترتيبهما في الآيات  يأتي وفقا للترتيب المكاني التشريحي لمراكز السمع والبصر في دماغ الإنسان. 

أما بالنسبة للأفئدة: نجد تشريحيا أن ذكرها يأتي في مكان ثابت بعد السمع والبصر في كل أيات القرآن ومعظمها وبصيغة الجمع والفؤاد لغة من فأد أي توقد ويأتي في معاني العواطف والغرائز والأحاسيس كقوله تعالى: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم:37)  وقوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (القصص:10) مما يجعل الفؤاد مرتبطا بالسمع والبصر إرتباطا عضويا وله علاقة بالأحاسيس والعواطف. ولكن هل يمكن تحديد الفؤاد مكانه بأنه في عمق (داخل) المخ من خلال هذه الآيات؟. الجواب نعم , وذلك لوجود الفؤاد في مكان ثابت بعد البصر وليس بعد مركز الأبصار من الخلف وهذا يحتم الإتجاه الى عمق المخ حيث اكتشف العلماء مركز الأحاسيس والعواطف هناك في جهاز يسمى الجهاز العاطفي Limbic System

مراكز السمع والفهم والأبصار الدماغية:

قال تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (البقرة:18)

وقال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (البقرة:171)

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام:39)  (الأبكم: من لا يفقه الكلام المسموع)

فمن الناحية التشريحية :عندما يكون الرأس مستويا تتوزع من الأمام إلى الخلف المراكز العصبية الدماغية التي تتحكم في سماع الأصوات وفهمها ورؤية الأشياء؛ فمركز سماع الأصوات يوجد في الفص الدماغي الصدغي وتَعطُّله أو تلفه يعطي الصمم، ومركز فهم الأصوات يوجد خلفه في الفص الدماغي ألجداري (منطقة فرنيكا)  وتعطُّله أو تلفه يعني البكم (عدم فهم الكلام المحكي) والمراكز الدماغية البصرية موجودة وراء الفص الدماغي القحفي وتعطُّله أو تلفه يعطي عمى البصيرة. هذا ما كشفه علم تشريح وظائف أعضاء الدماغ في القرن العشرين وما تضمنته بصورة خفية الآيات الكريمة أعلاه التي تقدمت فيها كلمة “صم” على كلمة “بكم” وكلمة “بكم” على كلمة “عمى” فمركز فهم الكلام المسموع يتوسط دائما مركز رؤية الأشياء الذي يحده من الخلف ومركز سماع الأصوات الذي يحده من الأمام عندما يكون رأس الإنسان في الوضع الطبيعي.(انظر الشكل المخطط ادناه)

ولأن الموصوفين ب(صم بكم عمي) هم الكفار الذين يتمتعون بسمع جيد وبصر حاد ولسان مبين فإن كلمة(صم) هنا تعني تعطيل عقلنة السمع وكلمة (عمي) تعني تعطيل عقلنة البصر فتكون كلمة (بكم) آفة عقلية خاصة بعقلنة البيان والفهم ومما يؤيد هذا التفسير قوله تعالى 🙁 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل:76)إذن فكأن كلمة (أبكم) تشير الى منطقة البيان بين مركز السمع ومركز البصر في الدماغ (منطقة فرنيكا) وفي حالة تعطيلها تؤدي الى عدم الفهم للكلام .

 وفي يوم القيامة يحشَر الله سبحانه وتعالى الكافرين على وجوههم ناكسي رؤوسهم  أعاذنا الله من ذلك قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة:12)، فهم في وضع الرأس المنكوس وعلى وجوههم فيكون بذلك الدماغ تشريحيا مؤخرته الفص القفوي الذي فيه المركز البصري في المقدمة أما مراكز الدماغ الأخرى فتصبح وراءه وهي بالترتيب مركز البيان والفهم (بكم) ومركز السمع (صم) ، فيصبح مركز البصر في المقدمة ومركز السمع في المؤخرة ومركز الفهم والبيان بينهما في الوسط في كلتا الحالتين، كما في قوله تعالى :  (وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)(الإسراء:97)

السمع والأبصار:

قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس:31)

قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)

وقال تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الاحقاف:26)

وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (الأنعام:46)

وقال تعالى:  (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (فصلت:22)

وقال تعالى : (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:7)

وقال تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:20)

وقال تعالى :  (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (النحل:108)

وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (فصلت:20)

وفي دراسة الآيات الكريمة اعلاه نجد أنه :

  1. ما اجتمعت كلمتا السمع والأبصار في القرآن الكريم إلا وتقدمت كلمة السمع على كلمة الأبصار ، لأن حاسة السمع أهم  بالنسبة إلى الإنسان من حاسة البصر في تنمية القدرات العقلية،ولأن حاسة السمع تظهر في الجنين وتبدأ  بالعمل قبل حاسة البصر،حيث تبدأ خلايا السمع الأولية بالظهور في الجنين منذ الأسبوع الثالث من حياته، وبالعمل في الشهر الخامس (قبل ولادته بأربعة أشهر) أم خلايا حاسة البصر فتبدأ بالظهور منذ الأسبوع الرابع من حياة الجنين وتبدأ بالعمل منذ الشهر الثالث بعد الولادة.
  2. ومن الناحية التشريحية  فإن مركز السمع يتموضع في الفص الصدغي الدماغي قبل مراكز البصر الدماغية التي تتموضع في مؤخرة الدماغ في الفص القفوي.
  3. نلاحظ ان القرآن الكريم في الآيات أعلاه وغيرها يفرد حاسة السمع ويجمع حاسة البصر (الأبصار) والخلفية الطبية لذلك ان حاسة السمع تعمل كمنظومة واحدة في الإنسان حيث ان المركز السمعي الدماغي في الفص الصدغي يغذي في كل جهة يغذي كلتا الأذنين بمعنى أن كل أذن تستلم وتورد الإيعازات السمعية الى كلتا الجهتين فإذا تعطلت المركز السمعي في احد الجهتين فإن الجهة الاخرى تغذي الأذن التي حصل فيها العطب مركزيا.

أما بالنسبة للمراكز البصرية فهي متعددة وتبلغ أكثر من أربعين مساحة بصرية دماغية في مؤخرة المخ (الفص القفوي) وتعمل كل منها بصورة مستقلة لتؤدي وظيفة معينة في حاسة البصر وتتغذى بألياف اعصاب بصرية مستقلة تنتشر في عمق الدماغ من مقلة العين في الأمام الى مؤخرة الدماغ مرورا بالفصين الصدغي والجداري كما يتمثل كل نصفٍ من نصفي العين الواحدة على جهة الدماغ المعاكسة لها. فإذا ما اصيب الدماغ بمرض في احد نصفيه فإن المصاب يفقد البصر في نصفي  عينيه المعاكستين لجهة الاصابة .

 فضلا عن أن الشخص الذي يتحدث مع شخص آخر ويحصل هناك كلام جانبي فإنه لايسمعه ولايستوعبه بينما الناظر الى شيء معين ضمن ساحته البصرية فإنه يستطيع أن يرى عدة أشياء او مناظر ثابتة او متحركة في نفس الوقت. من اجل ذلك فقد افرد القرآن الكريم حاسة السمع (السمع او سمعا) وجمع حاسة البصر ( الأبصار أو أبصارا) والله اعلم بمراده.

الصمم والعمى الخارجي والصمم والعمى الداخلي (الدماغي)

في آ يات كثيرة من القران الكريم يتعدد الخطاب ويتنوع الاسلوب القراني في بيان نعمتي السمع والبصر . فبوجود هاتين الحاستين وسلامتهما يكون الانسان مدركا وعاقلا , ومميزا بين الخير والشر والحق والباطل , ومأمورا بالبحث والنظر في الكون بتأمل وتدبر .

فمن وراء السمع الظاهر والابصار الظاهر هناك سمع اخر وابصار اخر يسمع به المؤمنون ويبصر به الموقنون ومن عداهم من الكافرين والمنافقين لا يسمعون ولا يبصرون ! فقد عطلوا ما وهبهم الله من ادوات الفهم والادراك والتدبر . فنعى عليهم ذلك بقوله سبحانه تعالى :

 (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179)

وقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ) (يونس:-4243)

وقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) (محمد:16)  تتألف آلة السمع من الأُذنينِ وعصبي السمع والمراكز الدماغية حيث تتحول الموجات الصوتية إلى مدلولات عقلية ، إن كل إصابة في الأُذنين وعصبي السمع تعطي ما يسمى بالصم الخارجي وكل إصابة في المراكز الدماغية المتخصصة في تسجيل الصوت وعقلنته أي فهمه وإدراكه تعطي ما يسمى بالصمم الدماغي، ولم يفرق علم وظائف الأعضاء بين الصمم الخارجي والدماغي إلا في القرن العشرين، أما القرآن الكريم فقد فرّق تفريقاً واضحا بين الصمم الخارجي (صمم الأذن) والصمم الدماغي كما في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ –أي المصابون بالصمم الدماغي- وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ) (يونس:42) ، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ –أي على مراكز السمع الدماغي-  فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (لأعراف:100) .

عمى البصر وعمى البصيرة ـ إعجاز علمي

تتألف آله النظر من العينين وعصبي النظر والمراكز الدماغية الموجودة في مؤخرة الدماغ حيث تتحول الموجات الضوئية إلى صور مرئية، ولم تُكشف المراكز الدماغية المتخصصة بالبصر إلا في القرن العشرين، وتعطلها أو تلفها ينتج عنه ما يسمى بالعمى الدماغي أم عمى البصيرة وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: ومنهم من ينظر إليك (ما يعني بأن العينين وعصبي النظر سليمان) أفأنت تهدي العمي ولو كانوا (ما يعني بأن مراكز البصيرة والدماغية معطلة) ويشرح ذلك قوله تعالى: (… وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179)

قافية الرأس مركز النوم واليقظة ـ إعجاز علمي

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ». متفق عليه.

في الحديث إشارة واضحة إلى مركز النوم واليقظة الذي يقع في قافية الرأس أو مؤخرة الرأس.

الإشارة العلمية في الحديث الشريف:

التشكيل الشبكي: هو الجزء المسئول عن دورة النوم والاستيقاظ في الدماغ و التشكيل الشبكي موجود في جذع المخ، وجذع الدماغ عبارة عن الجزء الخلفي من الدماغ، وهو متداخل ومتصل تركيبيا مع الحبل الشوكي، ويتكون من ثلاثة أجزاء النخاع المستطيل والجسر ( القنطرة ) والمخ المتوسط .

الوظيفة: التشكيل الشبكي عبارة عن مجموعة من شبكة معقدة من الخلايا والمحاور العصبية المتواجدة في جذع الدماغ، وهو مسئول عن تنظيم الوعي، والنوم، والاستيقاظ.

حيث يقوم بإرسال إشارات عصبية إلى القشرة الدماغية فتقوم بإيقاظ الدماغ.. لذلك إذا حدثت استثارة للتشكيل الشبكي في حالة النوم، فإن ذلك يؤدي إلى الاستيقاظ، وإذا حدث له استثارة في حالة اليقظة، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة اليقظة والانتباه، أما إذا تم تثبيطه أو حدث له تلف ما، فإن ذلك يؤدي إلى قلة اليقظة، والاستغراق في النوم.

فلما ينام الإنسان يعقد الشيطان على مؤخرة رأسه في منطقة التشكيل الشبكي المسؤلة عن النوم واليقظة في جزع الدماغ ثلاث عقد ثم يضرب عليها ويقول َعلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فبضربه على هذه العقد يثبط عملها فيبقى الإنسان نائما ولما يستيقظ يكون خبيث النفس كسلانا ولكن لما يستيقظ الإنسان ويذكر الله ويتوضأ ويصلي ركعتين تفك العقد الثلاثة بذهاب تأثير الشيطان فيصبح طيب النفس نشيطاً.

وفي النهاية أشار الحديث الشريف إلى أن الشيطان يعقد على مؤخرة رأس النائم ثلاثة عقد ثم يضرب عليها ليصده عن قيام الليل وصلاة الفجر بإنزال النعاس عليه فيستيقظ بعدها خبيث النفس كسلان، فإن هو استيقظ وذكر الله وتوضأ وصلى ركعتين أنحلت تلك العقد بإذن الله، وهذه إشارة واضحة إلى أن مركز التحكم باليقظة والنوم موجود في مؤخرة الرأس (مؤخرة الدماغ) وهذا ما أثبته العلم الحديث وهذا دليل واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤيداً من الله بالوحي وانه نبي مرسل من عند من يعلم السر وأخفى.

فكرة وإعداد فراس نور الحق : المشرف على موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن
التوثيق الطبي : الدكتور عبد الخالق شريب

مراجع:

الإعجاز العلمي في علوم التشريح (محمد بورباب, 2013 )

كتاب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة(أ.د.عبد الله المصلح) المنهج الجامعي

موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي على الشبكة العنكبوتية:   www.nooran.org

مقال لعبد الدائم الكحيلwww.kaheel7.com

 بحث للشيخ عبد المجيد الزنداني بعنوان: إعجاز القرآن في الناصية.

كتاب العلوم المعاصرة في خدمة الداعية الإسلامي، للدكتور محمد جميل الحبال.

مقالة ل أ.د. صادق الهلالي http://www.eajaz.org/

مقالة للدكتور محمد جميل الحبال  (E-mail:alhabbal45@yahoo.com) 

عن موقع الدكتور محمد جميل الحبالhttp://www.alhabbal.info/dr.mjamil/

Carl T. Hall، Chronicle Science Writer، Fib detector Study shows brain scan detects patterns of neural activity when someone lies، www.sfgate.com، November 26، 2001.

Brain Scans as Lie Detectors: Ready for Court Use?، Malcolm Ritter، www.livescience.com، 29 January 2006.

Doug Dusik، Maureen Morley، Brain Imaging with MRI Could Replace Lie Detector، www.rsnalink.com، Nov. 29، 2004.

Kara Gavin،  University of Michigan researchers publish new findings on the brain’s response to costly mistakes، University of Michigan، April 12، 2006.

 Robert T. Knight، Principles of Frontal Lobe Function، Oxford University Press، 2002.

http://www.neuroskills.com/tbi/bfrontal.shtml

Frontal lobe،www.wikipedia.org

http://web4health.info/en/answers/adhd-cause-frontal.

د. محمد بورباب

الأستاذ الدكتور محمد بورباب تخصص: بيولوجية جزيئية بيولوجيا/جيولوجيا أستاذ زائر علم الأحياء الجنائي رئيس هيئة الإعجاز لشمال المغرب رئيس المؤتمر الدولي لتطوان بالمملكة المغربية رئيس تحرير مجلة إعجاز الدولية للبحث والتأمل العلمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى